فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{أسلم} في هذه الآية بمعنى: استسلم عند جمهور المفسرين، و{من} في هذه الآية تعم الملائكة والثقلين، واختلفوا في معنى قوله: {طوعًا وكرهًا} فقال مجاهد: هذه الآية كقوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والارض ليقولن الله} [الزمر: 38] فالمعنى أن إقرار كل كافر بالصانع هو إسلام كرهًا.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: فهذا عموم في لفظ الآية، لأنه لا يبقى من لا يسلم على هذا التأويل و{أسلم} فيه بمعنى استسلم، وقال بمثل هذا القول أبو العالية رفيع، وعبارته رحمه الله: كل آدمي فقد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده، فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرهًا، ومن أخلص فهذا الذي أسلم طوعًا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بل إسلام الكاره منهم كان حين أخذ الميثاق، وروي عن مجاهد أنه قال: الكره في هذه الآية هو بسجود ظل الكافر فيسجد المؤمن طوعًا ويسجد الكافر وهو كاره، وقال الشعبي: الآية عبارة عن استقادة جميع البشر لله وإذعانهم لقدرته وإن نسب بعضهم الألوهية إلى غيره، وذلك هو الذي يسجد كرهًا.
قال الفقيه الإمام: وهذا هو مجاهد وأبي العالية المتقدم وإن اختلفت العبارات، وقال الحسن بن أبي الحسن: معنى الآية: أنه أسلم قوم طوعًا، وأسلم قوم خوف السيف، وقال مطر الوراق: أسلمت الملائكة طوعًا، وكذلك الأنصار وبنو سليم وعبد القيس، وأسلم سائر الناس كرهًا حذر القتال والسيف.
قال الفقيه الإمام: وهذا قول الإسلام فيه هو الذي في ضمنه الإيمان، والآية ظاهرها العموم ومعناها الخصوص، إذ من أهل الأرض من لم يسلم طوعًا ولا كرهًا على هذا حد، وقال قتادة: الإسلام كرهًا هو إسلام الكافر عند الموت والمعاينة حيث لا ينفعه.
قال الفقيه الإمام: ويلزم على هذا أن كل كافر يفعل ذلك، وهذا غير موجود إلا في أفراد، والمعنى في هذه الآية، يفهم كل ناظر أن هذا القسم الذي هو الكره إنما هو في أهل الأرض خاصة، والتوقيف بقوله: {أفغَير} إنما هو لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من الأحبار والكفار. اهـ.

.قال الثعالبي:

قال النوويِّ: ورُوِّينَا في كتاب ابن السُّنِّيِّ، عن السَّيِّدِ الجليلِ المُجْمَعِ على جلالته وحِفْظِهِ ودِيَانَتِهِ وَوَرَعِهِ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ دِينَارٍ البَصْرِيِّ الشَّافِعِيِّ المشهور؛ أنه قَالَ: لَيس رجُلٌ يكونُ على دابَّة صَعْبَةٍ، فيقول في أذنها: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السموات والأرض طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}، إلا وقَفَتْ بإذن الله تعالى.
وروِّينَا في كتاب ابن السُّنِّيِّ، عن ابن مَسْعودٍ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنه قَالَ: «إذَا انفلتت دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضٍ فَلاَةٍ، فَلْيُنَاد: يَا عِبَادَ الله، واحبسوا، يَا عِبَادَ الله، احبسوا، فَإنَّ للَّهِ عَزَّ وجَلَّ فِي الأَرْضِ حَاضِرًا سَيَحْبِسُهَا».
قال النَّوويُّ: حكى لِي بعُضْ شُيُوخِنا؛ أنه انفلتت لَهُ دَابَّةٌ أَظْنُّهَا بَغْلَةً، وَكَانَ يعرفُ هذا الحديثَ، فقالَهُ، فَحَبَسَهَا الله عَلَيْهِ في الحَالِ، وكنْتُ أَنَا مرَّةً مع جماعةٍ، فانفلتت منَّا بهيمةٌ، فَعَجَزُوا عَنْها، فَقُلْتُهُ، فوقَفَتْ في الحال بغَيْر سَبَبٍ سوى هذا الكلامِ. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري:

قوله جلّ ذكره: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن في السَّمَوَاتِ والأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}.
مَنْ لاحظه على غير الحقيقة، أو طالع سواه في توهم الأهلية كَرَاءِ السراب ظَنَّه ماءً فلمَّا أتاه وجده هباءً. ومغاليط الحسبانات مُقَطّعِةٌ مُشِكلَةٌ فَمَنْ حَلَّ بها نَزَلَ بوادٍ قَفْرٍ.
{وَلَهُ أَسْلَمَ مَن في السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} لإجراء حكم الإلهية على وجه القهر عليهم. اهـ..

.من فوائد القرطبي:

قال رحمه الله:
{أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آَمَنَّا بِالله وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)}.
قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ} قال الكَلْبي: إن كعب بن الأشرف وأصحابه اختصموا مع النصارى إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: أيُّنا أحق بدِين إبراهيم؟ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «كِلاَ الفريقين بريءٌ من دِينه» فقالوا: ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بِدينك؛ فنزل: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ} يعني يطلبون.
ونصبت غير بيبغون، أي يبغون غير دين الله.
وقرأ أبو عمرو وحده {يبغون} بالياء على الخبر {وإليه ترجعون} بالتاء على المخاطبة.
قال: لأن الأوّل خاصُّ والثاني عامُّ ففرق بينهما لافتراقهما في المعنى.
وقرأ حفص وغيره {يبغون}، و{يرجعون} بالياء فيهما؛ لقوله: {فأولئك هُمُ الفاسقون}.
وقرأ الباقون بالتاء فيهما على الخطاب؛ لقوله: {لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ} [آل عمران: 81].
والله أعلم.
قوله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ} أي استسلم وانقاد وخضع وذلّ، وكل مخلوق فهو منقاد مستسلم؛ لأنه مجبول على ما لا يقدر أن يخرج عنه.
قال قتادة: أسلم المؤمن طوعًا والكافر عند موته كرهًا ولا ينفعه ذلك؛ لقوله: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 85].
قال مجاهد: إسلام الكافر كرهًا بسجودِهِ لِغير الله وسجود ظِلّه لله، {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إلى مَا خَلَقَ الله مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ اليمين والشمائل سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ} [النحل: 48].
{وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بالغدو والآصال} [الرعد: 15].
وقيل: المعنى أن الله خلق الخلق على ما أراد منهم؛ فمنهم الحَسَن والقبيح والطويل والقصير والصحيح والمريض وكلهم منقادون اضطرارا، فالصحيح منقاد طائع محبّ لذلك، والمريض منقاد خاضع وإن كان كارهًا.
والطوع الانقياد والاتباع بسهولة.
والكره ما كان بمشقة وإباء من النفس.
و{طَوْعًا وَكَرْهًا} مصدران في موضع الحال، أي طائعين ومكرهين.
وروى أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعًا وَكَرْهًا} قال: «الملائكة أطاعوه في السماء والأنصارُ وعبدُ القَيْس في الأرض» وقال عليه السلام: «لا تَسُبُّوا أصحابي فإن أصحابي أسلموا من خوف الله وأسلم الناس من خوف السيف» وقال عِكْرمة: {طوعا} مَن أسلم من غير مُحاجّة {وكرهًا} مَن اضطرته الحجة إلى التوحيد.
يدلّ عليه قوله عز وجل: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} [الزخرف: 87] {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله} [العنكبوت: 61].
قال الحسن: هو عموم معناه الخصوص.
وعنه: {أَسْلَمَ مَن فِي السماوات} وتمّ الكلام.
ثم قال: {والأرض طَوْعًا وَكَرْهًا}.
قال: والكاره المنافق لا ينفعه عمله.
و{طوعًا} و{كرهًا} مصدران في موضع الحال.
عن مجاهد عن ابن عباس قال: إذا استصعبت دابّةُ أحدكم أو كانت شَمُوسًا فليقرأ في أذنها هذه الآية: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعًا وَكَرْهًا} إلى آخر الآية. اهـ.

.من فوائد أبي حيان:

قال رحمه الله:
والهمزة في: أفغير؟ للإنكار والتنبيه على الخطأ في التولي والإعراض، وأضيف الدين إلى الله لأنه تعالى هو الذي شرعه وتعبد به الخلق، ومعنى: تبغون، تطلبون، وهو هنا بمعنى: تدينون لأنهم متلبسون بدين غير دين الله لا طالبوه، وعبر بالطلب إشعارًا بأنهم في كل الوقت باحثون عنه ومستخرجوه ومبتغوه.
وقال الماتريدي: فإن قيل كل عاقل يبتغي دين الله ويدعي أنّ الذي هو عليه دين الله.
قيل: الجواب من وجهين:
أحدهما: أنه لما قصر في الطلب جعل في المعنى كأنه باغ غير دين الله، إذ لو كان باغيًا لبالغ في الطلب من الوجه الذي يوصل إليه منه، فكأنه ليس باغيًا من حيث المعنى، ولكنه من حيث الصورة.
والثاني: أنه قد بان للبعض في الابتغاء ما هو الحق لظهور الحجج والآيات، ولكن أبى إلاَّ العناد، فهو باغ غير دين الله، فتكون الآية في المعاندين. انتهى كلامه. اهـ.

.من فوائد الألوسي:

قال رحمه الله:
والجملة في النظم معطوفة على مجموع الشرط والجزاء، وقيل: على الجزاء فقط، وعطف الإنشاء على الأخبار مغتفر هنا عند المانعين، والهمزة على التقديرين متوسطة بين المعطوف والمعطوف عليه للإنكار، وقيل: إنها معطوفة على محذوف تقديره أيتولون فغير دين الله يبغون قال ابن هشام: والأول: مذهب سيبويه والجمهور، وجزم به الزمخشري في مواضع، وجوز الثاني في بعض ويضعفه ما فيه من التكلف وأنه غير مطرد، أما الأول: فلدعوى حذف الجملة فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال أنه أسهل منه لأن المتجوز فيه على قولهم: أقل لفظًا مع أن في هذا التجوز تنبيهًا على أصالة شيء في شيء أي أصالة الهمزة في التصدر، وأما الثاني: فلأنه غير ممكن في نحو: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] انتهى.
وتعقبه الشمس بن الصائغ بأنه أي مانع من تقدير ألا مدبر للموجودات فمن هو قائم على كل نفس على الاستفهام التقريري المقصود به تقرير ثبوت الصانع، والمعنى أنتفى المدبر فلا أحد قائم على كل نفس لا يمكن ذلك بل المدبر موجود فالقائم على كل نفس هو وهو أولى من تقدير البدر ابن الدماميني أهم ضالون فمن هو قائم على كل نفس بما كسبت لم يوحدوه، وجعله الهمزة للإنكار التوبيخي، وعلى العلات يوشك أن يكون التفصيل في هذه المسألة أولى بأن يقال: إن انساق ذلك المقدر للذهن قيل: بالتقدير، وإلا قيل: بما قاله الجماعة، وتقديم المفعول لأنه المقصود بالإنكار لا للحصر كما توهم لأن المنكر اتخاذ غير الله ربًا ولو معه، ودعوى أنه إشارة إلى أن دين غير الله لا يجامع دينه في الطلب، فالتقديم للتخصيص، والإنكار متوجه إليه أي أيخصون غير دين الله بالطلب تكلف، وقول أبي حيان: إن تعليل التقديم بما تقدم لا تحقيق فيه لأن الإنكار الذي هو معنى الهمزة لا يتوجه إلى الذوات، وإنما يتوجه إلى الأفعال التي تتعلق بالذوات، فالذي أنكر إنما هو الابتغاء الذي متعلقه غير دين الله، وإنما جاء تقديم المفعول من باب الاتساع، ولشبه {يَبْغُونَ} بالفاصلة لا تحقيق فيه عند ذوي التحقيق لأنا لم ندع توجه الإنكار إلى الذوات كما لا يخفى، وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية لحفص ويعقوب يبغون بالياء التحتية، وقرأ الباقون بالتاء الفوقانية على معنى أتتولون أو أتفسقون، وتكفرون فغير دين الله تبغون وذهب بعضهم إلى أنه التفات فعنده لا تقدير، وعلى تقدير التقدير يجيء قصد الإنكار فيما أشير إليه ولا ينافيه لأنه منسحب عليه.
{وَلَهُ أَسْلَمَ مَن في السماوات والارض} جملة حالية مؤكدة للإنكار أي كيف يبغون ويطلبون غير دينه، والحالة هذه {طَوْعًا وَكَرْهًا} مصدران في موضع الحال أي طائعين وكارهين، وجوز أبو البقاء أن يكونا مصدرين على غير المصدر لأنه أسلم بمعنى انقاد وأطاع قيل: وفيه نظر لأنه ظاهر في {طَوْعًا} لموافقة معناه ما قبله لا في {كَرْهًا} والقول بأن يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل غير نافع، وقد يدفع بأن الكره فيه انقياد أيضا، والطوع مصدر طاع يطوع، كالإطاعة مصدر أطاع يطيع ولم يفرقوا بينهما، وقيل: طاعه يطوعه انقاد له، وأطاعه يطيعه بمعنى مضى لأمره، وطاوعه بمعنى وافقه، وفي معنى الآية أقوال: الأول: أن المراد من الإسلام بالطوع الإسلام الناشيء عن العلم مطلقًا سواء كان حاصلًا للاستدلال كما في الكثير منا، أو بدون استدلال وإعمال فكر كما في الملائكة ومن الإسلام بالكره ما كان حاصلًا بالسيف ومعاينة ما يلجئ إلى الإسلام، الثاني: أن المراد انقادوا له تعالى مختارين لأمره كالملائكة والمؤمنين ومسخرين لإرادته كالكفرة فإنهم مسخرون لإرادة كفرهم إذ لا يقع ما لا يريده تعالى، وهذا لا ينافي على ما قيل: الجزء الاختياري حتى لا يكون لهم اختيار في الجملة فيكون قولًا بمذهب الجبرية، ولا يستدعي عدم توجه تعذيبهم على الكفر ولا عدم الفرق بين المؤمن والكافر بناءًا على أن الجميع لا يفعلون إلا ما أراده الله تعالى بهم كما وهم، الثالث: ما إشار إليه بعض ساداتنا الصوفية نفعنا الله تعالى بهم أن الإسلام طوعًا هو الانقياد والامتثال لما أمر الله تعالى من غير معارضة ظلمة نفسانية وحيلولة حجب الأنانية، والإسلام كرهًا هو الانقياد مع توسط المعارضات والوساوس وحيلولة الحجب والتعلق بالوسائط، والأول: مثل إسلام الملائكة وبعض من في الأرض من المصطفين الأخيار، والثاني: مثل إسلام الكثير ممن تقلبه الشكوك جنبًا إلى جنب حتى غدا يقول:
لقد طفت في تلك المعاهد كلها ** وسرحت طرفي بين تلك المعالم

فلم أر إلا واضعًا كف حائر ** على ذقن أو قارعًا سن نادم

والكفار من القسم الثاني عند أهل الله تعالى لأنهم أثبتوا صانعًا أيضا إلا أن ظلمة أنفسهم حالت بينهم وبين الوقوف على الحق {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بالله إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ} [يوسف: 106] {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السموات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [العنكبوت: 61] وإلى هذا يشير كلام مجاهد، وأخرج ابن جرير، وغيره عن أبي العالية أنه قال: كل آدمي أقرّ على نفسه بأن الله تعالى ربي وأنا عبده فمن أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرهًا، ومن أخلص لله تعالى العبودية فهو الذي أسلم طوعًا، وقرأ الأعمش كرهًا بالضم {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} أي إلى جزائه تصيرون على المشهور فبادروا إلى دينه، ولا تخالفوا الإسلام، وجوزوا في الجملة أن تكون مستأنفة للأخبار بما تضمنته من التهديد، وأن تكون معطوفة على {وَلَهُ أَسْلَمَ} فهي حالية أيضا، وقرأ عاصم بياء الغيبة، والضمير لمن أو لمن عاد إليه ضمير {يَبْغُونَ} فإن قرئ بالخطاب فهو التفات، وقرأ الباقون بالخطاب، والضمير عائد لمن عاد إليه ضمير {يَبْغُونَ} فعلى الغيبة فيه التفات أيضا. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}.
تفريع عن التذكير بما كان عليه الأنبياء.
والاستفهام للتوبيخ والتحذير.